بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين .. وبعد ،
فما رأيناه فى مصر فى هذه الأيام آية من آيات الله ، وسنة من سننه .
أما الآية : فهى أن الملك كله بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده وينزعه ممن يشاء من عباده
وهذا إذا كنا نتعلمه فى توحيد الله إلا أننا نؤكد عليه فى هذه الأحداث بصفة خاصة ...
قال تعالى : ( تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شيئ قدير )
قال تعالى : ( قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيئ قدير )
ولو راجعنا كتاب الله عز وجل لوجدنا أن الله يؤتى ملكه للصالح والطالح .. للمسلم والكافر
ففى سورة البقرة يقول الله عن رجل كافر ظالم ألا وهو النمرود
( ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك .. )
وقال تعالى عن رجل مؤمن أعطاه الله الملك ألا وهو نبى الله داود :
( فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك ... )
وقال تعالى عن نبى الله سليمان :
( رب هب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى ... ) وأعطاه الله ما سأل ، فكان يقول بعد تمكنه :
( ذلك من فضل ربى ليبلونى ءأشكر أم أكفر ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين )
وقال تعالى عن نبى الله يوسف :
( رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث ... )
والله تعالى يؤتى ملكه لمن يشاء حتى لو أراد من حوله غير ذلك فهذا طالوت آتاه الله الملك رغما عمن حوله ورغم أنهم يقولون أنهم أحق بالملك منه ورغم أن المواصفات والشروط التى يرونها لا تتجمع فيه :
( وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء ... )
فالله يؤتى ملكه من يشاء وينزعه ممن يشاء ، وبعد ذلك إما أن يتركه الملك أو يترك هو الملك .
u وفى التاريخ نرى ذلك واضحا سواء أكان هذا الحاكم عادلا أو ظالما .
* فهذا هارون الرشيد لما حضرته الوفاة قال أخرجونى إلى صحن الدار فأخرجوه فقال دعونى وحدى فتركوه فسُمع وهو يقول :
( ما أغنى عنى ماليه . هلك عنى سلطانيه . الهى وسيدى ومليكى ومولاى ، يا من لا يزول ملكه ارحم عبدا ضعيفا قد زال ملكه )
* وهذا سليمان بن عبد الملك آلت إليه الخلافة وهو فى الأربعين من عمره حتى لقب بالملك الشاب فوقف يوما أمام المرآة معجبا بشبابه وفتوته متزينا بأكمل زينة متطيبا بأجمل طيب مستجمعا بمقابض يديه ضاربا به على صدره قائلا : ( الملك .. الشاب )
ثم إنه لمح جارية تمر فى قصره فنادى عليها قائلا : يا جارية ؛ ما رأيك فىَّ ؟
فصعدت إليه النظر ثم أطرقت برأسها إلى الأرض قائلة اعفنى يا أمير المؤمنين . قال : لتخبرنى . فقالت :
أنت خير المتاع لو كنت تبقى ولكن لا بقاء للإنسانِ
وأنت يا مولاى قد حزت المحاسن كلها غير أنك فانى
فعكرت صفوه وخرج فرجع مريضا وظل أسبوعا فى مرضه فدخل عليه رجاء بن حيوة قائلا : أنصح لك . قال سليمان : أجل .
قال أنصح لك بنصيحة لو قابلت الله بكل ذنب لغفر لك .
قال سليمان : وماهى ؟
قال : أن تعهد لعمر بن عبد العزيز .
فلما مات سليمان وعلم عمر بما وصى به . ذهب الناس إليه ليبايعون فكان لا يستطيع أن يقف على قدميه من الهم والحزن الذى هو فيه حتى أن الناس حملوه وهو يهادى بين أكتاف الرجال حتى أجلسوه ليأخذ البيعة رغما عنه .
وكان يقول بعدها : والله ما حدثت نفسى بها ليلا أو نهارا أو سرا أو علانية .
ومع ذلك يموت هذا الرجل مسموما .
* وهذا عمر بن الخطاب الذى قيل فيه : ( حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر ) ومع ذلك يموت مقتولا رضى الله عنه .
* وهذا عثمان بن عفان الخليفة الراشد يثور عليه الناس حتى تسوروا بيته ودخلوا عليه فى عقر داره وأرادوه أن يتنحى عن الخلافة فقال ( لا أنزع قميصا قمصنيه الله )
فقتلوه وهو يقرأ القرءان فنزل دمه على قول الله تعالى ( فسيكفيكهم الله ) . يقول المؤرخزن : ما من أحد شارك فى قتل عثمان أو الحسين إلا مات مقتولا .
* ويذهب الناس إلى لمبايعة على بن أبى طالب بعد مقتل عثمان فيغلق دونهم بابه قائلا :
( أنا لكم وزير خير منى لكم أمير )
فيخرجونه ويبايعونه عنوة ورغما عنه
ومع ذلك يموت مقتولا بعد ذلك رضى الله تعالى عنه .
* فالعاقل يرى فى تحول الملك آية تستحق العبرة والعظة ، ولذا فإن سعد بن أبى وقاص لما دخل إيوان كسرى منتصرا سجد وبكى وأخذ يقرأ قول الله تعالى :
( كم تركوا من جنات وعيون . وزروع ومقام كريم . ونعمة كانوا فيها فاكهين . كذلك وأورثناها قوما آخرين )
فقال له أحدهم تبكى فى هذا اليوم
فقال سعد لقائله : قاتلك الله ؛ أما ترى مُلكا يتحول وأمة تزول .
* وإن قيصر روما قد حصن ملكه بأشد الحصون فخانه من حوله واجتمعوا على قتله فكان بينهم أقرب أصفيائه وهو بروتس فطعنه بين الطاعنين فنظر إليه قيصر قائلا : ( حتى أنت يا بروتس )
حقيقة ثابتة وآية من آية الله وهى أن : الملك لله
يؤتيه من يشاء من عباده وينزعه ممن يشاء من عباده ، وانظر إلى لفظة (وينزعه) التى تدل على أنه يؤخذ منهم كما تؤخذ أرواحهم .
وصدق الله الذى يقول : ( تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شيئ قدير )
والذى يقول : ( قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيئ قدير ).
.............
أما السنة التى هى من سنن الله : فهى سنة التدافع
قال تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )
فسنة التدافع هى أن تتدافع القوى بعضها ببعض
( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض )
رأينا ذلك فى هذه الأيام على جميع المستويات من الأدنى للأعلى كالتالى :
أ) ما رأيناه من اللصوص والبلطجية والمفسدين الذين عاثوا فى ربوع مصر على طول البلاد وعرضها يريدون نهب أموال الناس وأعراضهم وممتلكاتهم فلولا أن الناس كونوا بينهم مجموعات ولجان شعبية ووقفوا لهم بالمرصاد مدافعين عما لديهم بكل قوة لأدى ذلك إلى الفساد العظيم
قوة يقابلها قوة يتدافعان ولولا ذلك لفسدت الأرض .
ولذا يقول صلى الله عليه وآله ( من قتل دون ماله فهو شهيد )
ويرشد الناس للتعاون فى فعل الخير ( مثل المسلمين فى توادهم وتراحمهم وترابطهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)
ويبين أن المسلم لا يعتدى على الناس فيقول ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )
ويحذر من دم المسلم وماله وعرضه فيقول ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)
ويقول فى خطبة الوداع ( أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذه )
ويقف أمام الكعبة فيقول لها ( ما أعظمك وما أعظم حرمتك لحرمة المسلم أشد عند الله من حرمتك )
والتأكيد على حرمة الإنسان جاءت فى جميع الشرائع السماوية
قال تعالى ( ... أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) لماذا لأن هذا هو حق الحياة لكل إنسان
ثم يبين أن هذا جاءت به كل الرسل فقال ( ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون )
ب) الفاسدون الذين أكلوا أموال الشعوب بالمليارات على مر السنين واحتكروا السلع وظنوا أنهم فوق المحاسبة وانتشرت الرشوة والمحسوبية فى سلك القضاء فلا يتعين أحد إلا برشوة أو محسوبية كذلك الشرطة كذلك الجهاز المركزى للمحاسبات كذلك الجامعات ونحى عنها الكفاءات لولا أن قام لهم هؤلاء الشباب الذين عبروا عن مطالب الملايين لفسدت الأرض .
جـ ) دولة كأمريكا لما دخلت العراق انهار اقتصادها ومئات القتلى الأمريكان وآلاف الجرحى ممن قطعت أطرافهم أو فقئت عيونهم ... الخ فكيف تتجرأ أن تدخل بعد ذلك إلى الدول الإسلامية مجتمعة : تونس – مصر – اليمن – السودان – ليبيا – سوريا – ..الخ
وصدق الله الذى يقول : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )
.............
وقد جمع الله بين هذه الآية ( أن الملك بيد الله ) وتلك السنة (سنة التدافع) فى آية واحدة من سورة البقرة
قال تعالى : ( فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين )
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
والحمد لله أولا وآخرا
آية وسنة في أحداث مصر
من موقع صيد الفوائد