قد نواجه كوارث الحياة في شجاعة وصبر ثم ندع توافه الأمور تغلبنا علي أمرنا لذلك يقول رسول الله " إياكم ومحقرات الذنوب , فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه" ، وكما أن تجمع الصغائر يهدد حياة الإنسان, فإن تجسيم الصغائر أمر فيه الظلم الشديد.
ومن المؤسف أن بعض الناس يقع على السيئة في سلوك شخص ما فيقيم الدنيا ويقعدها من أجلها ثم يعمي أو يتعامى عما تمتلئ به حياة هذا الشخص من أفعال حسان وشمائل كرام ، والله عز وجل يتجاوز عن التوافه " إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً".
وتحت عنوان " قضاء وقدر " يقول الغزالي : إحساس المؤمن بأن زمام العالم لن يفلت من يد الله يقذف بمقادير كبيرة من الطمأنينة في فؤاده, ذلك أنه مهما اضطرابت الأحداث فكلها بمشيئة الرحمن "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ".
والمؤمن الحق هو من يتوكل على الله ويستريح إلي ما يأتي به المستقبل , ذلك أنه لا معني لتوتر الأعصاب واشتداد القلق بازاء أمور تخرج عن نطاق إرادتنا ، أما الندم الصحي فهو فقط على ما فرطنا وليس في الأمور القدرية .
والركون إلى القدر يورث الرجل جرأة على مواجهة اليوم والغد ويجعله أكثر تحملا لأي خسارة مهما عظمت ، وقد قال صلي الله عليه وسلم " من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له , ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله , ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضي الله له".
وتحت عنوان " لا تبك على فائت " يقول الغزالي : علينا التعلم من دروس وعبر الماضي وليس تجديد الحزن عليها والإكثار من عبارات " ليت .. " " لو .. " فهذا هو ما يكره للمسلم فعله وهو ليس من منطق الإيمان ولا شيم الرجولة .
سعادة الإنسان أو شقاوته أو قلقه أو سكينته تنبع من نفسه وحدها. إنه هو الذي يعطي الحياة لونها البهيج أو المقبض, كما يتلون السائل بلون الإناء الذي يحويه : "فمن رضى فله الرضا , ومن سخط فله السخط".
عاد النبي أعرابيا مريضا يتلوي من شدة الحمي, فقال له مواسيا "طهور" فقال الأعرابي : بل هي حمى تفور , على شيخ كبير , لتورده القبور. قال النبي : فهي إذن. ( يعني أن الأمر يخضع للاعتبار الشخصي فإن شئت جعلتها تطهيرا ورضيت وأن شئت جعلتها هلاكا وسخطت ) ، ونعرف أنه قد تنتصر الجيوش بقوة العقيدة والصبر أكثر من انتصارها بوفرة السلاح والعتاد.